مختبر علمي فريد وطنيا لتثمين المنتوجات الفلاحية و التطوير الجيني للنباتات عبر تقنيات الإشعاع المؤين
تعد محطة التشعيع بمنطقة بوخالف بطنجة التابعة للمعهد الوطني للبحث الزراعي ،آلية علمية هامة و فريدة على الصعيد الوطني تسخر تقنيات الإشعاع المؤين لتثمين المنتوجات الفلاحية و التطوير الجيني للنباتات و الحفاظ على البيئة.
و تعمل هذه المحطة ،التي أنشأت قبل نحو 20 سنة ،على إنجاز أبحاث و دراسات خاصة بحفظ الأغذية و التطوير الجيني للنباتات، كما تعمل على تطهير السوائل و معالجة المياه العادمة و النفايات، إلى غير ذلك من الأبحاث المتعلقة بالمجال البيئي.
كما ان المحطة الإشعاعية تمكنت بعد إحداثها من القيام بتجارب دقيقة أساسها إخضاع بعض المواد العضوية الفلاحية للتأثير الإشعاعي عند المستوى الذي لا يغير من طبيعة المكونات الوراثية لها ، و ذلك عند حدود التخلص من الميكروبات المجهرية و الحشرات الضارة، بهدف حماية المنتوج الفلاحي و ضمان جودته و إطالة مدة صلاحيته.
و قد ساهمت البحوث التقنية الميدانية ،التي أجراها الطاقم العلمي بالمحطة على المواد الغذائية المغربية عبر استعمال الاشعة المؤينة ،من كبث التنبيت في البطاطس و الثوم و البصل و إبادة الحشرات الضارة في الحبوب و القطاني و التمور و الاعشاب الطبية و العطرية و البهارات ،و تمديد فترة التخزين بالنسبة لتوت الارض ،و القضاء على الجراثيم في اللحوم و الدجاج و الأسماك ، كما استعملت هذه التقنية في حماية الحوامض من آفة الذبابة المتوسطية، و إحداث الطفرة لدى العدسيات و الكولزا و الحوامض.
و بخصوص استعمال تقنيات التأيين و احتمال خطورتها على الإنسان و البيئة، اكد رئيس مصلحة البحث و التنمية واحد المشرفين على محطة التشعيع ببوخاف الباحث بوغالب فرحات العروسي انه لا يوجد اي تأثير سلبي لاستهلاك المواد المشععة على صحة الانسان ،كما ان طاقة الاشعاع المستعملة لمعالجة الاغذية جد ضئيلة ،بحيث أنها ،كما هو مثبت علميا ،غير قادرة على الوصول الى نواة الذرة كي تصبح ذات فعالية إشعاعية .
و أضاف ان استعمال الإشعاع المؤين لا يحدث سوى تغييرات كيميائية ضئيلة ،و لم يعرف عن أي من هذه التغييرات أنها مؤذية او خطيرة ،و بالتالي ليس هناك تأثير سلبي على القيمة الغذائية للمواد المشععة ،و هي ليست أكثر مما تحدثه طرق التصنيع و الحفظ الاخرى المستعملة للغرض ذاته .
و أوضح في هذه السياق كذلك أن وسائل السلامة داخل المحطة و في محيطها الخارجي تخضع للمعايير الدولية و المراقبة الصارمة وفقا للمقاييس المحددة من طرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ،كما ان المحطة تخضع لمراقبة دورية من طرف المركز الوطني للحماية من الأشعة التابع لوزارة الصحة ،الذي يراقب بدوره نظام التشغيل الميداني والتنظيمي ،مشيرا الى ان المادة المشعة تخزن في حاويات مصنعة من الرصاص تضمن سلامة الاشخاص العاملين بالمحطة وسلامة المحيط البيئي ،كما ان المحطة بنيت وفق معايير سلامة معتمدة دوليا ،وان خطر الاشعاع في منظومة تشغيل المحطة يساوي صفر.
واشار الباحث الى ان تقنية تشعيع المواد الغذائية على المستوى التجاري تستعمل حاليا في 24 دولة ،اما في المغرب فهي لازالت قيد التجربة ،مبرزا ان استعمال هذه التقنية غير مكلف كثيرا وله جدوى اقتصادية مهمة ،ومن شأنها ان تمكن من المحافظة على جودة المنتوجات الفلاحية و المواد الغذائية المغربية المصدرة ،خاصة الى البلدان البعيدة عن المغرب جغرافيا مما سيساهم في تعزيز تنافسية هذه المنتوجات في الاسواق الدولية .
و أضاف ان النشاط الاشعاعي للمحطة عند إحداثها لم يكن يتجاوز 15 ألف كوري (وحدة قياس الاشعاع ) قبل ان يتم الرفع من حجم النشاط الاشعاعي الى نحو 64 ألف كوري بفضل التعاون المكثف و المنتظم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية و دعم وزارة الفلاحة و الصيد البحري لتطوير النشاط الاشعاعي للمحطة ،و هو ما يخول لهذه المحطة استعمال تقنيات متطورة لمعالجة المواد الفلاحية والغذائية الأخرى التي تتطلب جرعات إشعاعية اكبر .
و دعا الباحث فرحات العروسي بالمناسبة الفلاحين و المنتجين و المصدرين المغاربة الى الاهتمام اكثر بتقنية التشعيع لدعم قدراتهم الإنتاجية و التسويقية،مضيفا ان المحطة تضع رهن إشارتهم كل خبراتها و تجاربها في المجال .
و أبرز في هذا السياق ،أن هذه التقنية غير مكلفة جدا و ذات مردودية علمية كبيرة و تتماشى وأهداف مخطط المغرب الاخضر ،الذي يروم بالأساس تطوير البحث العلمي المهتم بالمجال الفلاحي ،وتثمين المنتوجات الفلاحية الوطنية والتدبير العقلاني للمؤهلات الفلاحية ،كما يروم جعل الفلاحة المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد الوطني و الجهوي ،و ذلك بالرفع من الناتج الداخلي الخام و خلق فرص للشغل و محاربة الفقر و تطوير الصادرات.