مكنت السياسة المائية الطموحة التي اعتمدها المغرب ، منذ عدة عقود ، من احتواء آثار التغيرات المناخية وتسهيل التزود بالماء الشروب والإسهام في استقرار وتيرة الإنتاج الفلاحي، لاسيما في ظل ظاهرة الجفاف التي تحولت منذ ثمانينات القرن الماضي إلى إشكالية هيكلية. كما ساهمت استراتيجية بناء السدود، بشكل أساسي ، في تلبية الحاجيات من الماء الشروب والماء الصناعي ، وري مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ، مما جعل المملكة نموذجا يحتذى به على الصعيد الدولي في مجال تثمين الموارد المائية وعقلنة استغلالها . وهكذا فإن “سد خروب” ، الذي أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله ، انطلاقة أشغال إنجازه اليوم الجمعة على وادي خروب (على بعد 45 كلم جنوب طنجة)، يأتي لتقوية البنية التحتية المائية بجهة طنجة- تطوان والاستجابة للطلب المتزايد على الماء الشروب بفعل النمو الديمغرافي المضطرد،وذلك موازاة مع تنامي وتيرة التمدن التي تشهدها العديد من القرى بشمال المملكة. ويعكس تشييد هذه المنشأة المائية الهامة ، الحرص الدائم والمتجدد لجلالة الملك على مواكبة الحاجيات المتزايدة للتزود بالماء الشروب وتعميم الولوج إليه لشرائح واسعة من المواطنين،وذلك بالنظر للأهمية البالغة التي تكتسيها هذه المادة الحيوية في تطوير الفلاحة وتحقيق التنمية بالمملكة. وستمكن هذه المنظومة من تزويد منطقة طنجة أصيلا بالماء الصالح للشرب والماء الصناعي ، إضافة إلى تزويد الجماعات والمراكز التابعة للمنطقة وكذا المنطقة الصناعية لمللوسة والمركب المينائي طنجة المتوسط بهذه المادة الحيوية. كما يندرج بناء هذه المنشأة المائية في إطار توسيع قاعدة الولوج للماء الصالح للشرب، وتحسين الظروف المعيشية والصحية للساكنة المحلية وفك العزلة عنها، وتطوير قطاع السياحة البيئية الذي يعد رافدا اساسيا للإقلاع الاقتصادي بالمنطقة. ومن شأن بناء “سد خروب” أن يسهم ،أيضا، في مواكبة النمو الاقتصادي والاجتماعي الذي تعرفه جهة طنجة- تطوان التي عرفت في السنوات الاخيرة، بفضل المشاريع المهيكلة الكبرى التي تحتضنها، نموا اقتصاديا هاما يرتكز على الاستغلال الامثل للموارد الطبيعية والموقع الجغرافي الاستراتيجي، مما يؤهلها لأن تصبح قطبا اقتصاديا نموذجيا وواعدا على الصعيد الوطني. كما سيساعد بناء هذه المنشأة المائية، علاوة على تلبية الحاجيات المتزايدة لساكنة المناطق المجاورة من الماء الشروب، على تعبئة المياه السطحية الناتجة عن وتيرة التساقطات المطرية المهمة التي تشهدها المنطقة. وكانت دراسة تحيين المخطط المديري المندمج لتهيئة الموارد المائية لحوض اللوكوس قد أوصت بإنجاز “سد خروب” على وادي خروب ، وهو سد ترابي متجانس يبلغ علوه فوق الاساس 56 مترا وطول قمته 900 متر . وسيتطلب إنجاز السد 8ر1 مليون متر مكعب من الحفريات، و 2ر7 مليون متر مكعب من الردوم، ووضع 90 ألف متر مكعب من الخرسانة. ومما لا شك فيه، أن سياسة بناء السدود ، التي انتهجها المغرب منذ ثلاثينات القرن الماضي، تمثل توجها صارما وهيكليا لتعبئة المياه السطحية والتجاوب السريع مع الاكراهات المناخية، ومواجهة التحديات الناجمة عن ظاهرة الجفاف المتكرر، بالإضافة إلى حماية الأشخاص والممتلكات العامة من مخاطر الفيضانات. وقد مكنت هذه الاستراتيجية من تعبئة مليارات الأمتار المكعبة بمختلف جهات المملكة مما ساعد على توفير موارد مائية مهمة وبالتالي الإسهام في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وبفضل هذه الاستراتيجية ، التي ربطت تنمية البلاد بوفرة المياه وساهمت في بروز أقطاب جهوية اقتصادية حقيقية، تمكن المغرب من تلبية الاحتياجات المتزايدة لمواطنيه واقتصاده من هذا المورد الحيوي والمساهمة بشكل حاسم في ضمان تزود العديد من القطاعات بهذا المورد الهام لاسيما الري والإنتاج الصناعي والطاقي. يذكر أن السياسة الوطنية للماء تقوم على بناء ثلاثة سدود كبرى في المتوسط والعشرات من السدود الصغرى سنويا، من أجل الوصول إلى بناء حوالي 50 سدا جديدا في أفق سنة 2030.
0 تعليق
إقرأ أيضا