التوعية بمخاطر المبيدات الفلاحية على الإنسان و البيئة

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

إن الإنسان بتصنيع وتطوير طرق مكافحة الآفات الحشرية التي تنافسه على الغذاء في القرن الماضي بشكل واسع حيث ظهرت في البداية مجموعة المركبات اللاعضوية مثل مركبات ( الزرنيخ و المركبات ذات الأصل النباتي ) مثل ( الروتينون – النيكوتين- البارثرين ) و في أوائل القرن الحالي استخدمت الغازات السامة مثل ( سيانيد الهيدروجين ) لتدخين الأشجار و بنفس الوقت ظهرت ( الزيوت المعدنية القطرانية منها و البترولية ).

ثم استخدمت في العشرينات من القرن الماضي  مركبات الفينولات و بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت المركبات الجديدة الصناعية مثل المركبات ( الكلورية العضوية أو الفوسفورية العضوية ) و بدا للمهتمين في مكافحة الآفات أن هذه المبيدات قد حققت نصرا كبيرا و أعطت الحلول الشافية لعملية القضاء على الآفات و الحشرات.

إلا أن الاستخدام المتكرر و المبالغ و الغير الصحيح لهذه المبيدات كشف عن عدة مشاكل لم تكن بالحسبان و ذلك لأن المبيد المستخدم في هذه المرحلة كان ذو طيف واسع و سمية شديدة بالنسبة إلى عدد كبير من الأنواع الحشرية مما أدى إلى قتل الطفيليات و المفترسات ( الأعداء الحيوية) و إضعاف دورها في عملية المكافحة الطبيعية و إحداث خلل خطير في التوازن البيئي ، إضافة إلى إلحاق الضرر الصحي الكبير للكائنات الغير مستهدفة كالحيوانات الأليفة و الطيور و النحل و الإنسان.
كما أدى الاستخدام الغير الصحيح لهذه المبيدات إلى ظهور صفة المقاومة للمبيدات من قبل الآفات الحشرية كما أدت إلى سيادة آفات جديدة لم تكن موجودة سابقا.
فأصبحت المبيدات لم تعد تعط النتائج المرجوة بل أصبحت أحياناً تعطي نتيجة عكسية خاصة عند ظهور صفة مقاومة المبيد في سلوك الآفة حيث أن المبيد في هذه الحالة يقضي على المفترسات و المتطفلات ( الأعداء الحيوية ) المفيدة و يبقي على الأفراد المقاومة من الآفة، فإن المبيد في هذه الحالة يساعد في زيادة أعداد الآفة و ليس نقصها .

هذه الأمور أدت إلى التفكير لاستنباط طرق جديدة للمكافحة بل الاعتماد على أساليب متعددة يخدم بعضها البعض بصورة متكاملة و هذا مايسمى الآن بالمكافحة المتكاملة للآفة أو إدارة الآفة المتكاملة.

و فيمايلي نقدم شرحا مختصرا عن أضرار المبيدات الحشرية و عن أفضل الطرق البديلة المستخدمة في مكافحة الحشرات و الآفات الزراعية:

المبيدات الحشرية

تعرف المبيدات الحشرية بأنها المواد الكيميائية التي تقتل أو تمنع أو تحدد من تكاثر و انتشار الكائنات الحية التي تنافس الإنسان في غذائه و ممتلكاته و صحته.

الأضرار المباشرة و الغير مباشرة للمبيدات الحشرية:

في الحقيقة لايمكن حصر الأضرار الجسيمة و المخيفة التي تسببها المبيدات الحشرية للإنسان و البيئة و لكافة أشكال الحياة, كون هذه الأضرار متباينة في زمن ظهورها و مختلفة في شدة ضررها بين مختلف الكائنات الحية و الحديث عن ذلك يتطلب عشرات بل مئات الصفحات و يتطلب تضافر جميع الجهود إلى حظر بيع و استخدام المبيدات المعروفة باحتمال خطورتها على الصحة و البيئة, فقد ناضلت منظمتي ”تحالف الصحة البيئية ” و ” الحركة من أجل حقوق و احترام الأجيال المقبلة ” في معظم الدول الأوروبية في سبيل نشر الوعي عند المواطنين و أطلقت المنظمتان حملة تحت شعار ” مبيدات و سرطانات ” من أجل التحذير من علاقة المبيدات الحشرية بالإصابة بالسرطان.

كما تركّز هذه الحملات  أساساً على دعوة الحكومات و كافة الفعاليات إلى الاهتمام بالموضوع و منع استخدام مبيدات يتم تسويقها بصفة عادية و من دون قيود صارمة .

 

أضرار المبيدات الحشرية:

1- أضرار المبيدات على صحة الإنسان: 

تتمثل هذه الأضرار إما بشكل مباشر و ذلك بوصول المبيد الحشري أو أجزاء منه عن طريق اللمس أو الاستنشاق أو عن طريق الفم أو العين و ذلك في الأماكن القريبة من أماكن إستخدام المبيد. أو بطرق غير مباشرة عن طريق إستهلاك ( المواد الغذائية و الماء و الهواء ) الملوثة بآثار المبيدات و فيما يلي نوجز بعض منها:

– الاستنشاق :

يدخل إلى جسم الإنسان جزيئات المبيد الحشري على شكل غازات يحملها الهواء و ذلك عن طريق التنفس و يختلف تأثير تلك الغازات الضارة بحسب تركيبها الكيميائي فنلاحظ بأن الغازات التي تذوب في الماء فإنها تذوب أيضا في السائل المخاطي المبطن للجزء العلوي في الجهاز التنفسي مما يؤدى إلى الإصابة بالتهابات حادة .

و الغازات التي لا تذوب في الماء تسبب التهابات في الرئة ثم إرتشاح ثم التليف في المرحلة النهائية, أما الغازات التي تذوب في الدهون فإنها  تمر من خلال الرئة و تصل إلى الأعضاء التي توجد بها من خلال مجرى الدم مسببة العديد من الأمراض الحادة للكلية و الكبد .

و إن ما يصل عن طريق بلع أبخرة و غازات المبيد إلى الجهاز الهضمي في البلغم فإنه يسبب مرض الدرن.

– عن طريق الجلد و الجهاز الهضمي .

تخترق المبيدات السامة الجلد عند ملامستها له أو تدخل  إلى الجهاز الهضمي عن طريق الخضار و الفواكه الملوثة التي تحمل الآثار المتبقية من هذه السموم و من ثم تصل إلى الدم و إلى كافة أعضاء الجسم و تستقر فيها و تسبب له العديد من الأمراض الخطيرة و منها ( أمراض الكبد و الفشل الكلوي و السرطانات) كما تشير نتائج البحوث العلمية إلى أن الأثر المتبقي لتلك المبيدات يؤدى إلى ضعف الحالة الجنسية، و يسبب في النهاية العقم، و بالنسبة إلى المرأة الحامل فإن هذه السموم تنتقل من الدم إلى مشيمة الأم و من ثم إلى جنينها و تسبب تشوهات خطيرة للجنين.

و تشير الإحصائيات على مستوى العالم أنه في عام 1992م تسببت المبيدات في حالات التسمم لما يقرب من 25 مليون شخص في الدول النامية، يموت منهم ما يقرب 20 ألف شخص سنوياً.

2- أضرار المبيدات على المياه ( الآبار, الأنهار, البحار )

تصل المبيدات الحشرية إلى المياه من خلال عدة طرق و وسائل عديدة منها مكافحة و رش الحشرات المائية الضارة التي تعيش بالماء  بالإضافة إلى وصولها عن طريق ذوبان متبقيات المبيدات المتواجدة في التربة الزراعية بواسطة مياه الأمطار و الري إلى جانب صرف مخلفات مصانع المبيدات في المصارف و الأودية و الأنهار، بالإضافة  إلى أن الهواء و المطر المحمل برزاز المبيدات يعتبران من المصادر المهمة في تلويث الماء, و إن أغلب المبيدات الحشرية لا تتحلل بسهولة و تبقى لفترة زمنية طويلة في الماء فتقضي على العديد من الكائنات الحية المفيدة و تتراكم في أجسام  الأسماك و الحيوانات النهرية و البحرية ، و خاصة في موادها الدهنية و يزداد على مر السنين تركيز هذه المواد في أجسامها و من ثم تصل إلى الإنسان عن طريق استهلاكه لها ملحقة به العديد من الأضرار الصحية.

3-أضرار المبيدات على التربة و البيئة:

تعتبر المبيدات الحشرية من أخطر ملوثات البيئة و التربة ، و يؤدى الإستخدام المتكرر لهذه المبيدات في النهاية إلى تدمير خصوبتها و تلوثها و تسممها الحاد بالمبيدات، و على قتل العديد من الكائنات الحية النافعة بها و تدمير التنوع الحيوي الذي يشمل كافة أشكال الكائنات الحية ، و إن أغلب المبيدات و خاصة مجموعة الكربيات تتحول في التربة إلى مركبات ( النيتروزأمين) التي تعد من المواد المسرطنة  و التي تمتص من قبل النباتات و عند تغذية الحيوان أو الإنسان على تلك النباتات  فإن النتيجة هي انتقالها لهما.

البدائل السليمة لمكافحة الآفات و الحشرات:

هي في اعتمادنا و تبنينا إستراتيجية متكاملة تشمل المبيدات و الطرق و القوانين التي تتضمن القضاء على الآفات و الحشرات دون أن يكون لها أية أثار سلبية أو ضاره على صحة الإنسان و البيئة و كافة أشكال الحياة و هذا ما يطلق علية الآن بالمكافحة المتكاملة.

المكافحة المتكاملة:

هي إستراتيجية لمكافحة الحشرات و الآفات مبنية على البيئة حيث تعتمد على عوامل الموت الطبيعية بواسطة الأعداء الحيوية و عوامل المناخ غير الملائمة و تستخدم المبيدات العضوية الطبيعية المصدر و المكافحة الكيماوية فقط عندما تدعو الحاجة الماسة إليها و من خلال دراسة الكثافة العددية للآفة و عوامل الموت الطبيعية مع الأخذ بعين الاعتبار التأثيرات المتداخلة بين المحصول المراد حمايته و بين العمليات الزراعية و عوامل المناخ و الآفات الأخرى.

طرق و أساليب المكافحة المتكاملة:

1- الطرق الزراعية:
و ذلك باستخدام الأصناف المقاومة من البذور الزراعية و الأشجار ، و إتلاف بقايا المحاصيل و نواتج التقليم للأشجار و الثمار المصابة للتخلص من الحشرات ، و القيام بكافة العمليات الزراعية بشكل علمي مدروس من عمليات :  ( الفلاحة و مواعيد الزراعة، التقليم ، التسميد، النظافة العامة ,و إدارة المياه بالشكل الأمثل) .

2- الطرق الفيزيائية:

و ذلك بإستخدام مصائد الحشرات (اللاصقة أو الفرمونية ..) و كذلك بالتغيير بدرجات الحرارة أو البرودة أو الرطوبة و ذلك في البيوت البلاستيكية و المخازن..) في القضاء على الحشرات.

3- إستخدام المبيدات العضوية الطبيعية المصدر:

مثل ( المستخلصات و الزيوت النباتية الخاصة و محاليل الفلزات المعدنية ) و التي ليس لها أي أضرار على صحة الإنسان و البيئة.

4- الطرق الحيوية:

و ذلك بتفعيل و إستخدام المكافحة الحيوية و تنشيط و حماية الأعداء الحيوية المحلية التي تتغذى على الحشرات و الآفات الضارة.

5- الطرق الكيميائية:

و تشمل إعاقة تكاثر و نمو الحشرات و ذلك عن طريق إستخدام ( الجاذبات، الطاردات، ، المعقمات الكيماوية، مانعات النمو) .

6- الطرق الوراثية:

و تسمى بأسلوب المكافحة الذاتية أو الوراثية ( إنعدام النسل للحشرات ) و تشمل تربية و إطلاق الذكور العقيمة ذات الشروط الوراثية الخاصة أو تلك غير القادرة على التوافق الوراثي بأشكال مختلفة ، أي إكثار العوامل المميتة التي تنتج عن تزاوج فردين من نفس النوع.

7- الطرق التشريعية:

تتضمن عدة أمور في غاية الأهمية و هي:

  • – منع إستيراد المبيدات العالية السمية و المحرمة دوليا.
  • – تفعيل مراكز الحجر الزراعي للنباتات لمنع إدخال المزروعات المصابة أو الملوثة.
  • – تفعيل برامج استئصال آفات معينة بمنع إرسال غراس أو مواد زراعية في نفس البلد من منطقة موبوءة  إلى مناطق أخرى سليمة.
  • – برامج توعية و إرشاد عن طرق إستخدام الأدوية و المبيدات الحشرية و مواعيد الرش و مواعيد القطاف.
  • – برامج توعية و إرشاد لإستخدام المبيدات العضوية الطبيعية المصدر بديلا عن المبيدات الكيميائية.
‫0 تعليق

اترك تعليقاً