إطلاق سلسلة الأركان الزراعي ضمن الاستراتيجية الطموحة ل”مخطط المغرب الأخضر”.

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

أصبحت التحولات الإيجابية التي يشهدها القطاع الفلاحي الوطني أكثر وضوحا خلال السنين الأخيرة بفعل التنزيل الموفق ل”مخطط المغرب الأخضر”.

هذا المخطط الذي يعتبر بمثابة خارطة طريق من شأنها المساهمة في تحقيق نقلة نوعية بالنسبة للنشاط الزراعي، باعتباره أحد الركائز الأساسية للنسيج الاقتصادي المغربي.

فقد أصبحت العديد من المنتجات الزراعية الوطنية تتوفر اليوم على مؤشر جغرافي يضمن لها الحماية من التقليد أو الاستنساخ .

و تطورت التنظيمات المهنية للفلاحين الذين أصبحوا متكتلين في تعاونيات إنتاجية ، أو مجموعات ذات نفع اقتصادي. كما اكتسبت الكثير من المنتجات المجالية قيمة مضافة بفعل مبادرات التثمين التي شملت الكثير منها، كما شهد البحث العلمي الزراعي والحيواني بدوره تطورا ملفتا خلال السنوات الأخيرة.
و في هذا الصدد، حظي منتوج الأركان ومشتقاته باهتمام متزايد سواء من طرف الساكنة المحلية التي تستوطن المجال الترابي للأركان الذي يمتد على مساحة تصل إلى حوالي 830 ألف هكتار، أو من طرف مختلف الفاعلين في حقل التنمية، أو المشرفين على المختبرات الطبية و التجميلية، ومراكز البحث العلمي المغربية منها والأجنبية، وهو ما أعطى زخما غير مسبوق للأبحاث والتصورات الرامية إلى بلورة أنماط من الاستغلال الأمثل للأركان و مشتقاته في مختلف الأغراض التي يستعمل فيها.

و تعود هذه الصيرورة المتواصلة للاهتمام بسلسلة الأركان إلى منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي، حين انطلقت أولى العمليات الموجهة لهيكلة التعاونيات النسائية لإنتاج و تسويق زيت الأركان سنة 1995، لتتواصل، بعد ذلك، هذه الديناميكية حيث تشير المعطيات المتوفرة اليوم لدى مختلف المؤسسات المشتغلة في حقل الأركان، ومن ضمنها الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات و شجر الأركان، إلى وجود ما يقارب 150 شركة، و300 تعاونية ،جزء منها مهيكل في إطار 8 تجمعات.

و ضمن هذه الصيرورة ، شكل تأسيس “الفيدرالية البيمهنية المغربية للأركان” سنة 2011 ، تحولا نوعيا في مسار التنظيم المهني لقطاع الأركان، لاسيما و  أن هذه الهيئة تضم في عضويتها مختلف الأطراف المتدخلة في القطاع، في مقدمتهم ذوو الحقوق من مستغلي مجال الأركان، و التعاونيات و الشركات، و التجار و غيرهم، لتصبح بذلك الفيدرالية الشريك المباشر للوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات و شجر الأركان (أندزوا)، فيما يتعلق بالتدبير العقلاني للقطاع ، و ذلك وفقا لأسس التنمية المستدامة، و في انسجام تام مع الأهداف التي سطرها مخطط المغرب الأخضر.

و بناء على هذه القناعة، تبلورت استراتيجية طموحة لتطوير قطاع الأركان، وهي مؤطرة بعقد برنامج تم التوقيع عليه بين الحكومة والفيدرالية البيمهنية سنة 2011، وشرع في تنفيذه سنة 2013، حيث رصدت الدولة المغربية غلافا ماليا بقيمة 2,8 مليار درهم من أجل تأهيل المجال الحيوي لشجر الأركان، وذلك على امتداد فترة زمنية تصل إلى 10 سنوات، وفقا لما أعلن عنه السيد إبراهيم حافيدي، المدير العام للوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، خلال افتتاح أشغال المؤتمر الدولي الثالث للأركان الذي نظم بأكادير من 17 إلى 19 دجنبر الماضي.

و أوضح السيد حافيدي، بهذه المناسبة، أن من بين الأهداف التي سطرها العقد البرنامج، هناك على الخصوص ، إعادة تأهيل 200 ألف هكتار من شجر الأركان الغابوي خلال 10 سنوات، و الرفع من إنتاج زيت الأركان ليصل إلى 10 آلاف طن سنة 2020 ، عوض 4 آلاف طن التي يتم إنتاجها حاليا.

و في هذا السياق ، أكدت السيدة لطيفة اليعقوبي، مديرة تنمية مناطق الأركان بالوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، أن الوكالة شرعت في تطبيق بنود العقد البرنامج بتعاون وطيد مع كل من المندوبية السامية للمياه و الغابات ومحاربة التصحر، والمعهد الوطني للبحث الزراعي،و المديريات الجهوية للفلاحة، و الفيدرالية البيمهنية المغربية للأركان، و الفيدرالية الوطنية لذوي الحقوق مستغلي مجال الأركان.

و أوضحت اليعقوبي، في تصريح للصحافة، أن تنزيل بنود العقد البرنامج يتم من خلال اتخاذ جملة من الإجراءات التي يجري تنفيذها في إطار تشاركي و مندمج، مشيرة إلى أن هذه المقاربة التشاركية ساعدت على بلورة برنامج لدعم تأهيل مجال الأركان الغابوي على مساحة تبلغ حوالي 12 ألف هكتار ،حيث تم الشروع في تنفيذ هذا البرنامج خلال سنة 2015.

و بالموازاة مع توسيع دائرة الاهتمام بتأهيل المجال الترابي للأركان الغابوي، فإن العقد البرنامج الذي تشرف الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات و شجر الأركان، و شركاؤها على تنزيله، وضع من بين أهدافه أيضا إطلاق ديناميكية غير مسبوقة في مجال التشجيع على الاستثمار في مجال الأركان الزراعي، و ذلك في إطار الدعامة الأولى لمخطط المغرب الأخضر، حيث ستصبح هناك ضيعات عصرية خاصة بسلسلة الأركان الزراعي، إلى جانب الأركان الغابوي الذي يندرج استغلاله في إطار الدعامة الثانية لمخطط المغرب الأخضر الموجه للنهوض بالفلاحة التضامنية.

و في هذا الإطار، تفيد المعطيات المتوفرة لدى عدد من الهيئات المتدخلة في المجال الفلاحي بمنطقة سوس ماسة بأن مبادرة إطلاق مشاريع فلاحية خاصة بالأركان الزراعي ضمن الدعامة الأولى لمخطط المغرب الأخضر، لقيت تجاوبا لدى بعض المستثمرين الذين أبدوا اهتماما جديا بإقامة مشاريع خاصة بزراعة شجر الأركان في ضيعات فلاحية عصرية، و ذلك على مساحة تصل إلى حوالي 3 آلاف هكتار.

و قد شكلت مناسبة تنظيم المؤتمر الدولي الثالث للأركان في دجنبر الماضي بمدينة أكادير، فرصة لإطلاق أولى المبادرات الخاصة بتشجيع الخواص على الاستثمار في مجال الأركان الزراعي، و ذلك من خلال إشراف وزير الفلاحة و الصيد البحري السيد عزيز أخنوش يوم 17 دجنبر 2015 في الجماعة القروية ل”رسموكة” بإقليم تيزنيت على إطلاق مشروع للأركان الزراعي على مساحة تبلغ 600 هكتار، حيث سيكلف إنجاز هذا المشروع استثمارا ماليا بقيمة 71,72 مليون درهم، بينما تمتد فترة تنفيذه إلى ما بين 2015 و 2019.

و من شأن إطلاق أولى المشاريع في مجال الأركان الزراعي التشجيع على الدفع قدما بهذه الديناميكية المسترسلة منذ حوالي عقدين من الزمان من أجل الرقي بمجال الأركان إلى منظومة نموذجية فريدة للتنمية المستدامة ، تزاوج بين المنفعة الاقتصادية الفضلى، و الحفاظ على الثروة البيئية.

كما أنه من الأكيد أن هذه المقاربة التدبيرية تنسجم مع الأهداف التي من أجلها قامت منظمة الأمم المتحدة للتربية و الثقافة و العلوم (اليونسكو) بتصنيف “محمية المحيط الحيوي للأركان” تراثا بيئيا للإنسانية في دجنبر من سنة 1998 ، لتعكس هذه المقاربة بذلك جانبا من الالتزامات المشرفة للمغرب إزاء المجتمع الدولي.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً